JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

خطبة الجمعة 19 يوليو 2024م - 13 محرم 1446هـ

خطبة الجمعة 19 يوليو 2024م - 13 محرم 1446هـ

Admin

 



جبر الخاطر وأثره في الدنيا والآخرة


 الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى حمد الشاكرين، ونشكره شكر الحامدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل فى كتابه العزيز ((فَأَمَّا ٱلۡیَتِیمَ فَلَا تَقۡهَرۡ ۝٩ وَأَمَّا ٱلسَّاۤىِٕلَ فَلَا تَنۡهَرۡ ۝١٠ وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ ۝١١﴾ الضحى.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، حق قدره ومقداره العظيم.

أما بعد

أيها المسلمون، فإن جبر الخاطر من أفضل وأرقى وأرجى العبادات التى يتقرب بها الإنسان لمولاه، وهو خلق إسلامي عظيم يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل، حيث يجبر المسلم فيه نفوساً كسرت وقلوباً فطرت وأجساماً أرهقت وأشخاصا أرواح أحبابهم أزهقت، فما أجمل هذه العبادة وما أعظم أثرها، يقول سفيان الثوري رحمه الله: “ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم.

 

ومما يضفي على هذه العبادة جمالاً وروعة ورونقا هو أن الجبر كلمة مأخوذة من أسماء الله الحسنى وهو “الجبار” وهذا الاسم بمعناه الرائع يُطمئنُ القلبَ ويريحُ النفس فهو سُبْحَانَهُ “الذِي يَجْبُرُ الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِحَّةِ، والخَيبَةَ والفَشَلَ بالتَّوْفِيقِ والأَمَلِ، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنَانِ، فَهُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ بِكَثْرَةِ جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ”.

ولأهمية جبر النفوس في الإسلام، كان الحبيب المصطفى والنبي المجتبى صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو بهذا الدعاء كما أخرج الإمام الترمذي وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: “اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني”.

أيها المسلمون، وحين نطالع آيات القران الكريم فإننا سنجد مواقف كثيرة جبر الله فيها بخاطر أنبيائه وأحبابه عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.

 فهذا نبي الله يوسف عليه السلام، وهو طفل صغير يتعرض لاختبار وابتلاء وفتنة عظيمة، وذلك حين قام إخوته بإلقائه في البئر، وهو في هذا الموقف المبكى القاسي، وذلك حين غدر به الجميع كانت هناك يد تحنو عليه وتطمئنه وسط هذا الظلام، كما قال ربنا تبارك وتعالى ((فَلَمَّا ذَهَبُوا۟ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوۤا۟ أَن یَجۡعَلُوهُ فِی غَیَـٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَـٰذَا وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ﴾ [يوسف 15.

أيها المسلمون أما أسعد خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم، فما أكثر المواقف التى جبر الله فيها بخاطره، يكفي قوله تعالى له وهو خارج من مكة ونفسه تتوق وتتشوق العودة إليها مرة أخرى ((إِنَّ ٱلَّذِی فَرَضَ عَلَیۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَاۤدُّكَ إِلَىٰ مَعَادࣲۚ قُل رَّبِّیۤ أَعۡلَمُ مَن جَاۤءَ بِٱلۡهُدَىٰ وَمَنۡ هُوَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ﴾ [القصص ٨٥]، بل قمة الجبر من الله لرسوله حين قال له ((وَلَسَوۡفَ یُعۡطِیكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰۤ﴾ [الضحى 5.

أيها المسلمون، ولقد كان أسعد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم يسارع في جبر خاطر الجميع، فقد نال الجميع من هذا الجبر سواء كانوا ضعفاء أو فقراء او أطفال أو حتى من فقدوا عزيزا عليهم، يكفي أن نذكر هنا هذين النموذجين حتى تضح الصورة:

فقد كان رسول الله يجبر بخاطر طفل صغير، وكذلك أهل بيت مات لهم ميت، فقد أخرج الشيخان من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال – ((كانَ النَّبيُّ ﷺ أحْسَنَ النّاسِ خُلُقًا، وكانَ لي أخٌ يُقالُ له: أبو عُمَيْرٍ -قالَ: أحْسِبُهُ- فَطِيمًا، وكانَ إذا جاءَ قالَ: يا أبا عُمَيْرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ نُغَرٌ كانَ يَلْعَبُ به، فَرُبَّما حَضَرَ الصَّلاةَ وهو في بَيْتِنا، فَيَأْمُرُ بالبِساطِ الذي تَحْتَهُ فيُكْنَسُ ويُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ ونَقُومُ خَلْفَهُ، فيُصَلِّي بنا)).

ولما استشهد جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه، كم كان النبي جابرا لخاطر أيتامه كما عند أبى داوود وغيره بسند صحيح من حديث عبد الله بن جعفر بن ابي طالب أنه قال صلى الله عليه وسلم ((اصنعوا لِآلِ جَعْفَرٍ طعامًا؛ فقد أتاهم ما يَشْغَلُهُم)).

أيها المسلمون، لا يحسبن عبد أنه سيجبر بخاطر أخيه، وأن جبار السماوات والأرض سيتركه أو يتخلى عنه، فمن سعى بين الناس جابرا الخواطر، أدركته عناية ورعاية الله في جوف المخاطر، فهنيئاً لكل من خفف الآلام عمن يتألم، وهنيئا لكل من مسح على كل نفس تعانى وهنيئا كذلك لكل من جبر قلبا كسيرا، واعلم أن الله سبحانه وتعالى قد وعد أعظم الجزاء في الدنيا والآخرة لكل جابر للخواطر، يكفى أن نذكر هنا ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث سهل بن سعد أنه قال صلى الله عليه وسلم ((أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وقالَ بإصْبَعَيْهِ السَّبّابَةِ والوُسْطى. )) وفى الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال صلى الله عليه وسلم ((الْمُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، مَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه بها كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ)).

 فجبرك لأخيك قد يكون بأقل شيء ربما بابتسامة صافية في وجهه، عباد الله، اجبروا من في الأرض يجبركم من في السماء.

الخطبة الثانية

 أيها المسلمون، وهكذا فإن إدخال السرور على عباد الله وجبر خواطرهم من أفضل الأعمال التي يتقرب بها الإنسان لربه، وفى النهاية أريد أن أزف لكم بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 فإن كنا قد حرمنا صحبته صلى الله عليه وسلم وأن نكون معه صلى الله عليه وسلم، فانظر ماذا قال فينا فقد أخرج الإمام أحمد وغيره بسند حسن ومنهم من صححه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم ((وَدِدْتُ أنِّي لَقيتُ إخواني. قالَ: فَقالَ أصحابُ النَّبيِّ ﷺ: نَحنُ إخوانُكَ؟ قالَ: أنتُمْ أصحابي، ولَكِن إخواني الَّذينَ آمَنوا بي ولم يَرَوني)).


تعليقات
ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

add_comment

إرسال تعليق